إن خصوم الإسلام يتهمونه في كل المحافل، أنه لا يعترف بحقوق الإنسان، وأنه لا يسعى لتحرير المرأة، ويرفض المشاركة السياسية والاجتماعية، ويكبت الحريات، وينصر الظالمين على المظلومين، والأغنياء على الفقراء. فما الموقف الحقيقي للإسلام من هذه القضايا؟ وما مدى صحة هذه الاتهامات؟
إن هذا الذي عرفته الحضارة الغربية كحقوق للإنسان حديثًا، مارسته الحضارة الإسلامية قديمًا، لا كمجرد حقوق للإنسان، وإنما كفرائض إلهية وتكاليف وواجبات شرعية، لا يجوز لصاحبها أن يتنازل عنها، أو أن يفرط فيها، حتى بمحض اختياره إن هو أراد.
ولقد أجملت الشريعة الإسلامية هذه الحقيقة عندما جعلت الحفاظ على النفس والدين والعقل والعِرض والمال، بمثابة فرائض إلهية وتكاليف شرعية، وليست مجرد حقوق يجوز التنازل عنها، حتى بالاختيار.
إن الحفاظ على الحياة -بنظر الحضارة الغربية -هو حق من حقوق الإنسان، لكن الشخص يستطيع أن يتنازل عن هذا الحق باختياره؛ لذلك لا تجرم هذه الحضارة من يتنازل عن حقه في الحياة بالانتحار. أما النظرة الإسلامية فإنها ترى في الحفاظ على الحياة فريضة إلهية وواجبًا شرعيًا، لا يجوز أن يفرط أحد فيه، حتى صاحبها، بل أوجبت عليه القتال حتى النصر أو الشهادة دفاعًا عن مقومات هذه الحياة، كما حرمت عليه واليأس الذي قد يقوده إلى الانتحار، الذي رأته جريمة يأثم مرتكبها إثمًا كبيرًا.
والعلم في نظر الحضارة الإسلامية، ليس مجرد حق من حقوق الإنسان، بل هو فريضة إلهية وتكليف شرعي واجب، يأثم الإنسان إن هو فرط فيه، قال تعالى: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ".
والمشاركة في الشئون العامة - سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها - لا يعتبرها علماء الشريعة مجرد حق من حقوق الإنسان، وإنما يعتبرونها فريضة واجبة، لأنها جزء من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَي الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ "، وهو السبيل لتحقيق خيرية الأمة، قال تعالى: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ".
والحرية رأتها وتراها الحضارة الإسلامية فريضة إلهية وواجبًا شرعيًا هي الأخرى؛ لأنها مساوية للحياة. وقد أدرك علماؤنا السر في جعل تحرير الرقبة كفارة عن القتل الخطأ؛ فنبهوا على ما في الرق والعبودية من معنى الموت، وما في العتق والحرية من معنى الحياة؛ فمن أخرج من الحياة نفسًا، بقتلها خطئًا، عليه أن يُدخل في الحياة نفسًا أخرى، بتحريرها من موت الاسترقاق، قال تعالى: "َومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَي أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَي أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ".
إن الغرب يتباهى بأنه ينادي بحق كل إنسان في الحصول على أساسيات الحياة، ولكن هل يقصدون الإنسان الغربي فقط؟ فحق كثير من الشعوب في الحياة يسلبه الغرب؛ فيزيد ثراءً من أموال الشعوب الأخرى وأقواتهم التي ينهبها الغرب، كما بنى حضارته على أشلائهم وعظامهم، كالأفارقة وغيرهم.
أما الإسلام فقد بين للأغنياء أنهم ليسوا إلا خلفاء في هذه الأموال، وأن الفقراء لهم حقوقٌ فيها؛ فيعطونها للفقراء لأنها حقهم لا تفضلًا منهم. وأنه لا يجوز أن يبيت إنسان جائع، وعند أحد الأغنياء قوت زائد عن حاجته، بل لقد قال (ابن حزم ): "وفُرض على الأغنياء من كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة أو لحم خنزير وهو يجد طعامًا فيه فضل عن صاحبه لمسلم أو ذمي، وله أن يقاتل عن ذلك؛ فإن قُتل فعلى قاتله القود، وإن قُتل المانع فإلى لعنة الله؛ لأنه منع حقًا، وهو طائفة باغية، قال تعالى: " فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَي الأُخْرَي فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّي تَفِيءَ إِلَي أَمْرِ اللَّهِ "، ومانع الحق باغ على أخيه الذي له الحق، وبهذا قاتل (أبو بكر الصديق )، رضي الله عنه، مانعي الزكاة ".
والقرآن الكريم يحدد نطاق الإنفاق عندما يقول: "وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ "؛ والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له "، وقال الراوي (أبو سعيد الخدري ): "فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل "، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى، وبرئ الله تعالى منه، وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى ".
ولقد سار على نفس هذا الدرب الخلفاء؛ فقال (عمر بن الخطاب ): "إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء؛ فما جاع فقير إلا بما متع غني! إن الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة، وإن المقل غريب في بلدته، أنتم عباد الله، والمال مال الله، يقسم بينكم بالسوية، لا فضل فيه لأحد على أحد! "، وقال (عمر بن عبد العزيز ): "المال نهر أعظم، والناس شربهم فيه سواء".
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان